الأخوة والأخوات الأعزاء

يظل يوم الثالث والعشرين من يوليو علامة بارزة في التاريخ المصري ، لأنه شهد انطلاقة الشرارة الأولي لثورة وطنية بيضاء . جسدت مطالب الشعب وآماله واصراره علي بلوغ أهدافه وغاياته فهو شعب عريق أدرك منذ بداية التاريخ أن مصالح الوطن هي العليا وأن كل شئ يهون في سبيل مصر الخالدة . جاءت الثورة التي قادها ابن مصر البار جمال عبد الناصر تعبيراً صادقاً وأميناً عن رفض الشعب المصري للواقع المتردي الذي كان قائماً في العقود السابقة علي قيام الثورة من سيطرة قوي الاستعمار والاستغلال علي مقدرات البلاد وانتهاك حقوق ومصالح الأغلبية الساحقة من أفراد الشعب واهدار الموارد البشرية والطبيعية فيما لايعود علي الوطن بالخير وأدركت الثورة منذ قيامها أن رسالتها تتجاوز حدود مصر السياسية وتمتد الي شتي انحاء الوطن العربي والعالم الاسلامي والقارة الأفريقية وتتداخل مع طموحات شعوب الدول النامية التي كانت تتطلع الي الخلاص من سيطرة الاستعمار وبناء اقتصاد وطني قوي قادر علي مواجهة متطلبات التنمية والتطوير لصالح جماهير الشعب وقد أحرزت الثورة نجاحا باهرا في مجالات عديدة تبلورت في تغيرات جذرية عميقة في كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية من حياتنا أصبحت تشكل الآن واقعا تلمسه الجموع الغفيرة في قارات عديدة

والآن وقد مضي علي قيام الثورة مايقرب من نصف قرن من الزمان يتعين علينا جميعا أن ننظر اليها نظرة تتسم بالنضج والموضوعية وأن نلتزم بالمنهج العلمي في رصد الأحداث التاريخية الكبري وتحليلها وتقييمها ليس فقط لكي نكون أمناء علي التاريخ ولكن أيضا لكي نكون قادرين علي تحقيق أقصي قدر من الاستفادة بخبرة الماضي ودروسه وعبره ويحار المرء حين يلاحظ أن البعض يقع في خطأ واضح حين يحاولون تجميد الثورة واهدار مفعول حركة التاريخ المستمرة المتتابعة الحلقات ويصرون علي وضعها في قوالب صلبة صماء لاتستجيب الي الظروف المتغيرة في الداخل والخارج ولا تستفيد من تجارب الماضي ولا تكترث بالمتطلبات الضرورية للحاضر والمستقبل وهم لايدركون أنهم لايخدمون الثورة بهذا المنهج عندما يصرون علي وصفها بالجمود والعجز عن مواكبة التطور والتعامل حسب قوانينه ومعطياته وثمة بعض آخر ينظر الي الثورة وسجلها بمنظار أسود داكن يتغاضون عن انجازاتها الشامخة التي لايمكن أن تخطئها العين وينسبون اليها كل مالحق بالمنطقة من ضرر ومافاتها من خير والي جانب أولئك وهؤلاء تجد فريقا يصر علي نبش القبور وقلب الحقائق وتزييف التاريخ بأن ينسب لنفسه بطولات وهمية ويطلق لخياله العنان في سرد أحداث لاوجود لها أو ينسب لمن قاموا بالثورة نقاط ضعف لم يلمسها أحد فيهم الي أن لقوا ربهم وكم كنت أتمني أن تسرد هذه الأحداث أو تنسب نقاط الضعف تلك في وقتها وفي حياة من قاموا بها ومن عاصروها لإتاحة الفرصة لهم للرد علي ماجاء بها بما من شأنه الحفاظ علي تاريخنا الذي هو جزء من ضمير هذه الأمة دون تزييف أو تضليل بالذاكرة الجماعية للجماهير التي عايشت أحداث المد الثوري وشاركت في صنعها هي الكفيلة بالحفاظ علي الحقيقة والدفاع عنها من فئة محسوبة علي الثورة بالحق أو الباطل

يجتاز الشعب المصري هذه الأيام مرحلة هامة في تاريخه تهدف الي اعادة بناء شاملة وتطوير جذري لموارده البشرية والطبيعية لتحقيق أقصي فائدة وأكبر عائد منها باستخدام ما أسفر عنه العلم من اكتشافات حديثة وتطبيق الأساليب التكنولوجية المتقدمة في شتي نواحي الحياة ونحن ندرك جيداً طبيعة التحدي الذي تفرضه هذه المرحلة ونعي أن القضية هي قضية حياة أو موت لانملك أن نواجهها الا بعقول راجحة تعلي مكانة المعرفة وتسعي الي كشف حقائق جديدة وابتكار وسائل مستحدثه وبنفوس طامحة تتوق الي الاجادة والارتقاء بنوعية الحياة في ربوع هذا الوادي الأمين

وقد آلينا علي أنفسنا أن نخوض غمار هذه المعركة مسلحين بعناصر القوة الكامنة في ضمير الشعب من وحدة الصف وتماسك النسيج الاجتماعي ووضوح الهدف وصلابة الارادة والايمان بقدرة الفرد المصري علي تحقيق المعجزات عندما تستقيم الرؤية وبتوفر وعي الجماهير لأهدافها القومية طبقا لأولويات صحيحة في المراحل الزمنية المختلفة وبتمكن المجتمع - بكل فئاته - من ادراك ما تتطلبه كل مرحلة من فكر سليم وتطبيق رصين واجماع وطني علي بلوغ الغايات وتحقيق الأحلام والعمل الجاد والعرق الطاهر سبيلنا الي هذا هو التمسك بالعروة الوثقي التي لا انفصام لها فتوحد ولا تفرق وتضيف ولا تبدد وتبني علي ماتم انجازه في مراحل خلت كانت لكل منها ظروف ومتطلبات جديدة ونحن علي ثقة من أن الله معنا في هذا السعي الذي يحثنا فيه علي الاحتكام الي العقل وعلي بذل الجهد وعلي تسخير العلم لما ينفع جماهير الشعب سلاحنا عمل متصل وعقل لايخطئ الهدف وفوق كل هذا ايمان لا يتزعزع بالله والوطن والله يرعانا ويهدي خطانا علي طريق الحق والرشاد

منقول