مذكرات أحمد أبوالغيط.. مبارك قال لى فى 2005 إن الأمريكيين يريدون إقصاءه عن الحكم
كلام خطير جدا «مبارك - أمريكا» صعود وهبوط.. وشد وجذب
يشرح وزير الخارجية الأسبق أحمد أبوالغيط، فى بدء هذا الجزء المهم، مراحل الصعود والهبوط فى العلاقات المصرية الأمريكية، عبر حوادث شكّلت منعطفات مهمة فى تلك العلاقة، بدءاً من عهد الرئيس الأمريكى رونالد ريجان وتوترها بسبب أزمة السفينة «أكيلى لاورو» فى عام 1985، ثم تحسُّنها أثناء ولاية الرئيس بوش الأب، ثم الرئيس كلينتون من يناير 89 حتى يناير 2001، لتجىء صدمة الهجوم على مركز التجارة العالمى فى نيويورك فى 11 سبتمبر 2001 وما تبعه من قرار أمريكى فى المواجهة مع جماعات بالعالم الإسلامى فيما سُمى بالحرب على الإرهاب الإسلامى، وما تبعه من غزو أفغانستان ثم العراق وتصعيد الضغوط على باكستان وإيران وسوريا والسودان، وحتى مع أقرب حلفاء أمريكا فى المنطقة.. مصر .
كان مبارك يرفض تصديق واقعة قيام مجموعة من الشباب العرب بمهاجمة برج التجارة العالمى بمفردهم، مؤكداً صعوبة مهاجمة الطائرات، بقيادة أفراد ليس لديهم خبرة كبيرة بشئون الطيران، لهذه المبانى، وبضرورة وجود مؤامرة تسمح بهذا التدخل الأمريكى فى شئون البلدان العربية والإسلامية. يحكى أبوالغيط كيف بدأ الضغط الأمريكى على مصر بطلب المشاركة فى ائتلاف القوى المحاربة معهم فى أفغانستان، وهو ما رفضته مصر؛ لإيمانها باستحالة إرسال قواتها إلى أرض إسلامية للقتال فى صفوف قوى غربية أو أطلسية. ولكنها قررت إرسال مستشفى ميدانى ضخم بقاعدة «بجرام» الجوية الأطلسية لعلاج أبناء الشعب الأفغانى. وهو ذات الموقف الذى تكرر مع غزو العراق. وهو ما أغضب الولايات المتحدة التى أعادت فى الشهور التالية طلب قيام مصر بتدريب
الكوادر العسكرية الأفغانية وأفراد الشرطة فى مصر، وكذلك إمدادها بالأسلحة الخفيفة من خلال مبيعات للسلاح، وهو ما قبلته مصر فى إطار دعمها للعراق التى أصبحت شوكة فى الحلق الأمريكى وأثرت على علاقتها بدول المنطقة. وهو ما يعلق عليه أبوالغيط، قائلاً: «أوضح لى كولن باول فى حديثه معى، أن الولايات المتحدة تحمل على دمشق وتسعى لتطويع مواقفها بسبب سماحها لمقاتلين عرب بعبور أراضيها إلى العراق. فأوضحت له أننا نتشكك فى أن سوريا تسعى لإثارة المتاعب لهم على الحدود العراقية. وأننا سننقل للسوريين الرؤية الأمريكية. فطلبوا أن ننصح سوريا بالتوقف عن القيام بأى دور سلبى فى الموقف. وهو ما فعله الرئيس مبارك دون أى توصية منه بالمنهج الذى يمكن لسوريا اتخاذه.. وقد أوضحت تطورات السنوات التالية أن واشنطن تركز بشكل مباشر على تطويع سوريا وليس فقط تغيير سياساتها فى مجمل الوضع بالشرق الأوسط، ولكن ربما أيضاً فى تغيير شكل النظام الحاكم فيها»
«أيمن نور».. كارت إرضاء أمريكا
كانت كلمة الترهيب لحمل مصر على تنفيذ المطالب الأمريكية منذ عام 2003 هى: «الإصلاح الداخلى»، فالولايات المتحدة كانت تعلم غليان الشارع ومطالبته بحقوق الإنسان والديمقراطية ورفضه التوريث. وكان الرد المصرى هو أن الإصلاح يتم بحكمة وهدوء وبما يتناسب مع الوضع الداخلى فى مصر. ولكن جاءت حادثة القبض على أيمن نور لتمنح أمريكا ورقة ضغط أكبر على مبارك لاستغلالها فى إجبار مصر على إرسال قوات لمساعدتها فى العراق وأفغانستان. وهو ما يحكى عنه أبوالغيط بالقول: «طلبتُ من الرئيس وفى ضوء اقتراب زيارتى إلى واشنطن فبراير 2005 النظر فى التوجيه بالإفراج عنه على ذمة التحقيقات فى الاتهامات الموجهة إليه، واستمع الرئيس بصمت. وعاودت فى الأيام التالية مناقشة الأمر وأهمية صدور قرار بالإفراج عنه حفاظاً على قيمة الزيارة إلى
واشنطن. وجاءتنى أخيراً من الرئيس إشارة واضحة أثناء حديث تليفونى بعدم استبعاد الإفراج عنه خلال أيام قليلة، وبالتأكيد قبل بدء الزيارة إلى واشنطن.. وسافرت إلى ميونخ للمشاركة فى مؤتمر للأمن الأوروبى وارتباطه بالشرق الأوسط يشارك فيه عدد كبير من الشخصيات الأمريكية والدولية. وقام كل المسئولين الأمريكيين بإثارة الأمر معى. ثم قام السيناتور (ماكين) الذى كان يشارك مع عدد كبير من الشيوخ وأعضاء النواب بهجوم حاد على الرئيس المصرى، متهماً إياه بأنه يرتب لتولية ابنه على مصر، واتهمه بالديكتاتورية علناً أثناء إلقائه لبيانه وأنا أشاركه المنصة. وكان وضعاً مزعجاً وفضّلت التحدُّث بشكل هادئ شارحاً الوضع المصرى فى كلمات قليلة ثم ركّزت على الرؤية المصرية لتحقيق السلام بالشرق الأوسط والتهديدات المختلفة التى تحيط بالإقليم. واهتممت بعدم التحدُّث فى مسألة أيمن نور، خصوصاً مع إحساسى بضعف حُجتى أو دفاعى عن تصرُّف بلادى. كنت للأسف أميل إلى الاقتناع بأن القبض على نور كان يستهدف أساساً منع وجود منافس قادر لنجل الرئيس إذا ما تقرر فى لحظة ما فى المستقبل السعى للرئاسة».
وهكذا ارتفعت حدة النقد الأمريكى لمصر ورئيسها الساعى لتوريث ابنه الحُكم، وتم التلويح بالنظر فى تخفيض الدعم الاقتصادى السنوى والعسكرى لمصر. رغم الطلب المصرى وقتها من الكونجرس الأمريكى بالموافقة على زيادة الدعم العسكرى بمبلغ يتجاوز مائة مليون دولار لمواجهة متطلبات نشر المزيد من القوات والوحدات المصرية على خط الحدود بما يمنع عمليات التهريب أو العمليات العسكرية المضادة لإسرائيل عبر الأراضى المصرية. ولذا كان الضغط الأمريكى على مصر لترسل قوات لمساعدة أمريكا فى العراق وأفغانستان، وهو ما
يعبر عنه أبوالغيط بالقول: «وكأن الصفقة المعروضة هى: عليكم بإرسال قوات وحزم أمركم فى الوقوف معنا فى حروبنا، وسوف ننظر فيما يمكن لنا التفاهم فيه معكم بالنسبة لمسائل تشغلنا تجاهكم: (الديمقراطية، حقوق الإنسان، المجتمع المدنى المصرى، حق جمعياتنا غير الحكومية أن تعمل على أرضكم)، وكانت هذه المطالب خافتة فى البداية والصفقة المطروحة تُطرح قبل القبض على أيمن نور بأسلوب هادئ، ثم زادت حدة الحديث والموقف بعد القبض عليه».
يوضح أبوالغيط أجواء لقائه بالمسئولين الأمريكيين فى عام 2005 وكيف فرض اغتيال رفيق الحريرى، رئيس الوزراء اللبنانى، قبل يوم واحد من هذا اللقاء، مساحة فى الحوار بين أبوالغيط ووزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس. التى كانت تضغط وبشدة على دمشق وباستخدام الكثير من الأدوات المتاحة. وهو ما يقول عنه أبوالغيط: «قلت لها إننى تلقيت اتصالاً هاتفياً من فاروق الشرع، وزير الخارجية السورى قبل دقائق من لقائى بها، حيث حمّلنى رسالة تحية وطلب أن يتمهل الأمريكيون فى مسألة سحب سفيرهم من دمشق، احتجاجاً على اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى رفيق الحريرى فى اليوم السابق. وأضفت أننا على استعداد لترتيب لقاء بينها وبين الوزير السورى فى القاهرة عند مشاركتها فى اجتماع الشرق الأوسط الواسع فى 3 مارس لتسهيل وتطوير العلاقة بين الجانبين. وعقّبت رايس على هذا الطرح بأن السوريين يقولون كلاماً كثيراً عن تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، ولكنهم يتجهون حالياً وفعلياً إلى مرحلة العلاقات السيئة، وهذا أمر لا بد لسوريا أن تفهمه جيداً».
الغريب هو ذلك الاهتمام الأمريكى بقضية القبض على أيمن نور، فتتحدث فيها وزيرة الخارجية الأمريكية رايس، ونائب الرئيس ديك تشينى، وهادلى مستشار الأمن القومى، بل إنهم لا يتركون فرصة فى اجتماعاتهم مع أبوالغيط دون التحدث معه مباشرة عن القضية واستشعار الرئيس الأمريكى الحرج من بقائه فى السجن! والتأكيد على أهمية الإفراج عنه فوراً. وتستشعر التعجُّب من الموقف
وأنت تقرأ عن تفاصيل الموقف فى كتاب «شهادتى».. إذ يحكى أبوالغيط عن غضبه خلال رحلة عودته من الولايات المتحدة إلى القاهرة لما واجهه فى واشنطن بسبب قضية النائب أيمن نور، ولكن الأهم هو ما حكاه عن لقائه مع مبارك عقب العودة لعرض ما حدث عليه وردة فعله على الزيارة. وهو ما يعبر عنه بالقول: «لاحظت وقتها أن لهجة الرئيس بشأن أيمن نور تغيّرت وقال: (وماذا أفعل؟ هناك قضية جنائية ولن أتدخل، سوف أترك الأمر للقضاء).. واقتربت أخيراً من موضوع خلافة الرئيس مبارك.. وبدا الاهتمام الشديد على ملامح وجهه، كما أحسست ببعض الأسى فى نظرته. واستأذنت فى المغادرة وسار معى الرئيس لاستغرابى وأنا أقترب من باب الصالون المتسع الذى استقبلنى به بالدور الأرضى بقصر الاتحادية فى هليوبوليس، وقال جملة موجزة صدمتنى بقوة ولم أتحدث بها مع شخص قط. إذ ذكر وكأنه يفكر بصوت عالٍ (إنه لا يستبعد أن يكون لدى الأمريكيين
رغبة فى إقصائه من الحكم فى مصر).. ودُهشت لهذا القول الذى بدا وكأنه خواطر صدرت دون تفكير أو ترتيب مسبق، وبدأت منذ ذلك الحين أستمع إلى مقولة الرئيس إن المتغطى بالأمريكان (عريان). وكثيراً ما رددها فى نقاشاته حول أوضاع باكستان، وما وقع للجنرال مشرف من اضطرار إلى التخلى عن السلطة فى عام 2008». يا الله.. أكانت تلك هى مشاعر مبارك تجاه الأمريكان وتلك هى مخاوفه منهم؟ ورغم ذلك ترك لهم الخيوط يلعبون بها داخل مصر. وتلح الأسئلة عليك وأنت تقرأ هذا الجزء من المذكرات.. إذا كان الأمريكان رافضين فكرة التوريث فى مصر، فلماذا لم يصارحوا مبارك وابنه مباشرة بهذا الرفض؟ ولماذا لم يرفضوا زيارات جمال مبارك التى كانت بلا صفة، وسمحوا له بلقائه كبار المسئولين فى الإدارة الأمريكية طيلة السنوات الماضية؟ وإذا كان مبارك قد أدرك أن المتغطى بالأمريكان عريان، فلماذا تشبّث بالحكم وترك ابنه يفعل ما فعل؟ وترك جماعات أخرى تتفق على مصر من أجل مصالحها؟ ولكن الرجل الذى جلس على مقعد الحكم فى مصر لنحو 30 عاماً لم يُجهد نفسه فى الإجابة عن تلك التساؤلات، فكل ما كان يعنيه هو ضمان البقاء فى الحكم وتوريثه إن أمكن. يعود أبوالغيط ليحكى لك عن زيارة رئيس الوزراء المصرى أحمد نظيف، إلى
الولايات المتحدة فى نهاية عام 2005 لتحسين العلاقات مع واشنطن، وكيف صوّرت وسائل الإعلام الأمريكية أهمية الزيارة وتأثيرها على العلاقة بين البلدين، وهو ما يقول عنه أبوالغيط: «استشعرت أن هذه الزيارة قد تكون لها سلبياتها وأضرارها من وجهة نظر الرئيس فى علاقته برئيس الحكومة من ناحية وفرص نجل الرئيس فى الترشُّح للرئاسة من ناحية أخرى، واعتقاده أن البعض فى الولايات المتحدة، وفى إطار بحثهم فى مسألة الخلافة المصرية، قد يكونون قد توصلوا إلى نتيجة مفادها أن أحمد نظيف يمكن أن يكون هذا المرشح! من هنا لم يعد لزيارة واشنطن طوال سنوات ست تالية»!!
«المنظمات الأمريكية».. مسمار جحا
يشير الكتاب إلى قضية قديمة ما زال الحديث يتجدد فيها حتى اليوم، ألا وهى المنظمات الأمريكية الأهلية غير الحكومية على الأرض المصرية، كالمعهد الجمهورى، والمعهد الديمقراطى، وفريدوم هاوس وغيرها، والتى كانت تمارس عملها فى تدريب عناصر مصرية وهيئات وجمعيات غير حكومية مصرية. وكيف كانت الولايات المتحدة تلح فى منح التراخيص والموافقات لتلك الجهات، وهو ما رفضه مبارك رسمياً، وأصر على أن يكون قرار تلك الهيئات فى يده وحده. كان مبارك هو الآخر يبحث عن أوراق ضغط تظل بيده فى علاقته بالأمريكان.. وبخاصة
بعد قرار الأمريكيين فى عام 2005 وما تلاه من أعوام، بضرورة إنفاق 25 مليون دولار سنوياً من المعونة الأمريكية الاقتصادية لمصر على عمليات هذه المنظمات والمراكز فى تعاونها مع المنظمات غير الحكومية المصرية، ثم زاد هذا المبلغ إلى نحو 50 مليون دولار، أى ما يعادل 250 مليون جنيه وقتها!!! وهو ما يعلق عليه أبوالغيط بالقول: «لم تكن الدولة المصرية غافلة عما يحدث، وإن كانت قد أصبحت غير قادرة على حسم أمرها. كان الرئيس يستشعر القلق، ولكن بقى لا يحسم الأمر بشكل جذرى حتى وقت تنحيه».
ورغم الموقف الرئاسى فإن أبوالغيط يؤكد أن وزارة الخارجية قدّمت احتجاجات رسمية للإدارة الأمريكية على تلك المعاهد وأنشطتها، وبخاصة مع تصريح أحد رؤسائها ذات يوم بأنهم سيمضون فى عملياتهم دون توقف حتى ولو اعترضت السلطات المصرية، وسوف يفرضون التغيير فى مصر!!! وهو ما تكرر علنياً من جانب وزارة الخارجية المصرية فى اجتماع منتدى الشرق الأوسط الواسع فى البحرين، حين طالبت ليز تشينى ابنة نائب الرئيس الأمريكى، والتى كانت تشغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية، بأحقية الولايات المتحدة والمجتمع الدولى والقوى الراغبة فى تقديم مساعدات مالية إلى تنظيمات المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية فى الدول الإسلامية، دون اعتبار أو مراعاة للقوانين المحلية بهذه الدول!!! وهو ما أغضب وزير الخارجية المصرى ومعه الوزراء العرب، وهددوا بعدم إصدار البيان الختامى للمنتدى إذا تضمن هذه الصياغات
غير القانونية، والانسحاب من أعمال الاجتماع، وهو ما حدث. وهو ما يعلق عليه أبوالغيط بالقول: «الغريب أن الخارجية المصرية تعرّضت ووزيرها لهجوم وانتقاد من الكثير من منظمات المجتمع المدنى المصرى والإعلام الداخلى المصرى، ولم يقل أحد إن أى مصرى أو غيره لا يستطيع أن يُنفق أموالاً فى أمريكا أو فى أى دولة أوروبية دون ترخيص قانونى، ومع الاحترام الكامل لقوانين هذه البلاد. ومن يقرأ مذكرات وزيرة الخارجية الأمريكية رايس فى كتابها عن فترة رئاستها للخارجية الأمريكية يستطيع أن يتوصل إلى الخلاصات التى استهدفها هذا الإنفاق الأمريكى الكبير على منظمات المجتمع المدنى المصرى».
واستمرت العلاقات المصرية الأمريكية على هذا النحو الذى كان يفضله مبارك، «التصدى وليس الصدام»، فاستمر الأمريكيون يضغطون على مصر فى أوضاعها الداخلية لتحقيق أهدافهم، ويشجعون إدارتها من ناحية أخرى على استمرار التعاون الإقليمى، وفى المسائل ذات الحيوية لهم. وكان مبارك يُعوِّل على انقضاء إدارة بوش وتغيير المواقف والتوجهات. ثم انفجر الموقف، مرة أخرى، مع الحكم القضائى على أيمن نور، وتكهربت العلاقات رغم كل الجهود التى بُذلت وقتها. وأوقف الأمريكيون أى حديث عن زيادة الدعم العسكرى أو الموافقة على المطلب المصرى فى الزيادة المحدودة لمواجهة متطلبات تعزيز السيطرة على
الحدود. ليس هذا فحسب، ولكن كشفت الأحداث عن توجه إدارة بوش لعدم الحفاظ على التوازن فى معدلات الدعم العسكرى بين مصر وإسرائيل، فتقرر فى عام 2008 أن تصل المساعدات السنوية الأمريكية لإسرائيل إلى ثلاثين مليار دولار خلال عشرة أعوام. فى حين تقرر لمصر مبلغ ثلاثة عشر ملياراً عن نفس المدة
يقول أبوالغيط: «اتصل بى نائب وزير الخارجية الأمريكية نيجروبونتى، وأبلغنى بالقرارات الأمريكية فى أغسطس 2007، سواء بتخفيض الدعم الاقتصادى أو الموقف من المعونة العسكرية. وعبّرتُ له عن رفضى هذا الأسلوب فى الإبلاغ الشفهى، وأنه يجب أن يتاح للجانبين التحدث سوياً عن مخارج أو تخارج مدروس للموقف.. ولكن دون طائل».
كانت مصر تتلقى 200 مليون دولار مساعدات أمريكية سنوية، بينما كانت تدفع 350 مليون دولار كأقساط ديون اقتصادية وتجارية سنوية. وكان القرار المصرى هو عدم السماح باهتزاز كبير للعلاقات المصرية الأمريكية! من هنا استمرت مصر فى القيام بدور إقليمى قوى بالتعاون مع الولايات المتحدة بلا مقابل للدولة، فكل ما كان يعنى الرئيس هو حماية نظامه وحكمه، وهو لا يعلم أن حكمه آخذ فى الانزواء، وأن الأمريكان بدأوا البحث عن شريك آخر غيره.
«الإخوان».. العصا والجزرة
كانت جماعة الإخوان المسلمين جزءاً ظاهراً خافياً فى اللعبة المصرية الأمريكية، كانت العصا والجزرة فى ذات الوقت. فبوش يعلن فى عام 2005 حذر الولايات المتحدة فى التعامل مع الإخوان المسلمين لما لها من تاريخ فى العمل السرى الإرهابى، ثم يؤكد المسئولون الأمريكيون ترحيبهم بالانفتاح السياسى المصرى فى 2005 لقطع الطريق على الإخوان المسلمين. ثم يعود هؤلاء المسئولون لإعلان أن الإصلاح السياسى المصرى سيمكِّن الإخوان من العمل
السياسى العلنى بشكل يتحقق به الاستقرار فى مصر! ثم تبدأ الولايات المتحدة، بفتح حوار علنى رسمى مع أعضاء حركة الإخوان المسلمين فى البرلمان المصرى! ورغم هذا حرصت أمريكا على إبقاء «شعرة معاوية» فى علاقتها بمبارك فى ظل التطورات فى المنطقة، سواء فى الوضع العراقى المتدهور أو الغزو الإسرائيلى للبنان أو الموقف الإيرانى المتشدد فى الملف النووى وسياسات إيران بالخليج، أو فوز حماس فى غزة وتوقف جهود السلام. ولكن استشعر أبوالغيط رغبة مبارك فى سرعة مرور الوقت ومغادرة إدارة بوش لمسرح الإدارة الأمريكية، وبخاصة مع قيام الولايات المتحدة بحجز 200 مليون دولار من قيمة مساعدات مصر لعام 2008 تحت مشروطية المطالبة بإصلاح القضاء، تحديث قوات الشرطة المصرية، ووقف تهريب السلاح والمواد الأخرى إلى غزة عبر الأراضى المصرية.
ولذا فمع مجىء الديمقراطيين إلى الحكم وانتخاب أوباما فى عام 2009، واختيار السيناتورة كلينتون لوزارة الخارجية واستمرار بوب جيتس فى الدفاع.. وعودة «بيناتا» الذى عمل لفترة رئيساً لموظفى البيت الأبيض مع الرئيس كلينتون، لكى يرأس وكالة المخابرات المركزية، بدأ مبارك يستشعر الاسترخاء
وعدم الحاجة إلى الشد والجذب الدائم بين الحكم المصرى والإدارة الأمريكية، على حد وصف أبوالغيط. وهو ما يقول عنه: «فى أحد أيام شهر نوفمبر 2008، كنت فى رئاسة الجمهورية، فذكرت للرئيس أهمية أن نسعى لإزالة أى شوائب فى العلاقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، واقترحت عليه أن ينظر بجدية فى مسألة الإفراج عن أيمن نور. فجاء رد فعله معبراً عن الرفض والدهشة والضيق، مردداً أنه لا يمكن أن يتدخل فى حكم قضائى، فعقبت بهدوء.. إفراج صحى لا دخل للرئيس فيه، وهو ما كان
{**صفحة جديدة 1
}
كلام خطير مذكرات أحمد أبوالغيط مبارك قال لى فى 2005 إن الأمريكيين يريدون إقصاءه عن الحكم