الأخوة والاخوات
لا يعرف تاريخ مصر علي كثرة احداثه الجسام حدثا جليل المعني عظيم الشأن يتجاوز أثره دائرة الحاضر الي عمق المستقبل ويتسامي في رفعته ليصبح عيد الاعياد ،مثل حرب اكتوبر المجيدة التي صححت مسار التاريخ في منطقة الشرق الاوسط وأعادت للوطن كرامته ، وكشفت عن اصالة القدرة الوطنية ، وتوجت تضحيات القوات المسلحة المصرية بعمل عسكري جسور سيظل موضع فخر الاجيال القادمة الي يوم الدين غيرت حرب اكتوبر المجيدة الموقف في الشرق الاوسط الي حد كبير فانتهت حالة اللاسلم واللاحرب

بعد ان كانت القوي الكبري تسعي الي فرض حالة من الاسترخاء العسكري في المنطقة في اطار وفاق دولي جديد أهدر حق العرب في تحرير أراضيهم ،وقيد قدراتهم علي إمكان تغيير الامر الواقع . رفض الشعب الرضوخ للهزيمة ولم يقع في مصيدة الصراعات الداخلية ، وحافظ علي تماسكه ووحدته رغم المكائد والمؤامرات وظل علي إيمانه العميق بقدرة قواته المسلحة علي استرداد الارض والكرامة ووقف الي جوارها يشد ازرها ويدعم قدراتها ويضع مطالب تحرير الاراضي علي رأس أولوياته القصوي رغم حملات التخويف ومحاولات نشر روح اليأس في صفوفه

كانت الشرارة الاولي للنصر هي الضربة الجوية الناجحة التي فاجأت القوات المعادية وشلت تفكيرها وحركتها وقضت علي مراكز التوجيه والقيادة في قلب سيناء وعندما حدث العبور العظيم وارتفعت اعلام مصر خفاقة فوق ربوع سيناء وانهارت الخطوط الحصينة علي الشاطيء الشرقي للقناة وثبتت رؤوس الجسور كالطود الشامخ علي الشاطيء الآخر

وتحطمت الاسطورة خلال ساعات وتبدد وهم القوة التي لا تقهر كشف الاداء المعجز للقوات المسلحة المصرية عن عمل عسكري فذ زلزل كيان الشرق الاوسط وغير مفاهيمه ونظرياته واكد للعالم كله ان المصريين والعرب لن يكونوا ابدا الجثة الهامدة التي فقدت الرؤية والقدرة لقد كشفت حرب اكتوبر ضمن دروسها المستفادة عن عدد من الحقائق الهامة

أولا : إن الامة العربية قادرة علي تحقيق النصر في معارك الحرب والسلام علي السواء طالما كانت صفوفها موحدة وارادتها صلبة جسورة ونواياها صادقة خالصة في تجردها في سبيل الله والوطن الكبير

ثانيا : إن التفوق العسكري ليس حكرا علي طرف دون آخر بل انه هدف يمكن تحقيقه بالعزيمة الصلبة والرؤية الصحيحة ، وبالعمل المخطط الجاد بأسلوب علمي رفيع والالتزام بروح الفريق في مواجهة كل الاحتمالات وفي حرب اكتوبر تلاشت فجوة القدرة التي كانت قد بلغت حد الاسطورة وانهارت نظريات التفوق الاسرائيلي بفضل براعة التخطيط العسكري المصري وبسالة المقاتل المصري ، الذي استطاع ان يعوض نقص السلاح والامكانات بروح فداء نادرة ومعنويات عالية مكنته من تحقيق النصر

ثالثا : اثبتت الحرب كذلك ان الاوضاع الدولية لا تستطيع مهما بلغت سطوتها ان تختال آمال الشعوب في تحقيق امانيها المشروعة أو تلزمها بقبول الظلم والعسف والمهانة أو ترغمها علي التعايش مع أمر واقع يقتات علي حقوقها الثابتة لان قوة الشعوب اكبر كثيرا من قوي القهر والتسلط

الاخوة المواطنون
إن الاخطار لاتزال تهدد الامن والاستقرار في ربوع منطقة الشرق الاوسط الامر الذي يتطلب يقظة تامة وقدرة علي التعامل مع شتي التحديات بقوة واقتدار لان مصر تتحمل مسئولية خاصة في الحفاظ علي التوازن والامان في المنطقة

وتبقي الحقيقة الاولي والاخيرة انه رغم تطلع البشرية وشوقها الي عالم جديد اكثر توازنا وعدلا الا اننا نعيش في الواقع عالما لازال يشهد حالات كثيرة لاستخدام القوة ولم يستطع ان يفرض احترام قواعد الشرعية والعدالة ويقتات فيه الاقوياء علي حقوق الاخرين في ظل غياب الرادع الاخلاقي والقانوني وتلك ظروف تفرض علي مصر ضرورة الحفاظ علي قوة ردع قادرة علي حماية أمنها الوطني
ان درس اكتوبر يقول لنا بكل الوضوح

انه لولا قدرة القوات المسلحة المصرية لما كان ممكنا اقناع الجانب الآخر بقبول تسوية تحقق السلام العادل والشامل في المنطقة لقد كان تأثير حرب اكتوبر علي مستقبل الشرق الاوسط حاسما لأنها اكدت استحالة فرض الامر الواقع واستحالة استمرار حالة اللاسلم واللاحرب . واستحالة احتكار التفوق العسكري واستحالة ان تكون الحرب هي الوسيلة المثلي لتسوية النزاع العربي الاسرائيلي الذي استنزف طاقات شعوب المنطقة لمدة تربو علي نصف قرن

كشفت حرب اكتوبر الابعاد الحقيقية للصراع بعيدا عن اساطير القوة وعقائد الايديولوجيات الجامدة وجموح الرغبة في الهيمنة والتوسع واثبتت لكل الاطراف ان الامن الحقيقي لا يضمنه التوسع الجغرافي علي حساب الآخرين ، ولا تضمنه الموانع الطبيعية مهما تكن صعوبتها ومناعتها .

وإنما يضمنه الحوار الموضوعي الهادف والثقة المشتركة والتعايش الآمن في اطار عادل يحفظ الحقوق المشروعة لكل الاطراف
تحية الي شهيد مصر الرئيس الراحل محمد انور السادات تحية لقراره الشجاع الذي كسر حالة اللا سلم واللا حرب . ولمبادرته التاريخية التي حددت للحرب هدفا واضحا نبيلا هو السلام القائم علي العدل الذي يحقق الامن لكل الاطراف ويعيد الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني .

وتحية الي شهداء مصر الابرار الذين لولا دماؤهم الزكية لما كان هذا النصر هذا النصر المبين ، الذي صحح مسار التاريخ وأعاد الارض والكرامة

وتحية الي كل الرجال البواسل الذين شاركوا في هذه الحرب المجيدة ليعيدوا للعسكرية المصرية أمجادها في واحدة من أعظم معارك التاريخ

ايها الاخوة والاخوات
ان مسيرة سلام الشرق الاوسط التي بدأت بعد حرب اكتوبر وأنجزت معاهدة سلام مصرية اسرائيلية تتكافأ فيها حقوق الجانبين وفتحت ابواب التفاوض علي كل المسارات علي اساس الاعتراف المتبادل وقبول قراري مجلس الامن 242 و 338 ومبدأ الارض مقابل السلام والحقوق السياسية للشعب الفلسطيني تتعرض الآن لمخاطر ضخمة تتهددها ومالم تتضافر جهود كل الاطراف لإنقاذ المسيرة من جمودها الراهن الذي استمر خمسة عشر شهرا فإن المستقبل يبدو محفوفا بأخطار جسام يصعب حساب نتائجها

ثمة مخاوف حقيقية من استمرار غياب الثقة المتبادلة بين الاطراف المعنية بسبب سياسات قاصرة تفتقد الحس السليم والرؤية المستقبلية العاقلة والالتزام الواضح والامين بالاتفاقات التي تم توقيعها

وثمة إحساس خطير باليأس والقنوط ، يتنامي لدي شعوب المنطقة خصوصا بين أبناء الشعبين الاسرائيلي والفلسطيني . من جراء عمليات العنف والارهاب التي تمس حياة الابرياء وردود الافعال المبالغ فيها لهذه العمليات ، والتي تتجسد في عقوبات الحصار والتجويع الجماعي ، الامر الذي يسهم في اضعاف قوي الاعتدال والسلام علي الجانبين لصالح جماعات التطرف والعنف والارهاب

إننا نعلق آمالا كبيرة علي الجهد المخلص والبناء الذي تقوم به قوي دولية صديقة مكترثة بالاوضاع في المنطقة للمساعدة في اخراج عملية السلام من مأزقها الراهن ، وتقوم بدور الشريك النشط إدراكا منها لأهمية استقرار الاوضاع واستتباب الامن في هذا الجزء الحيوي من العالم ونحن نطالب كل الاطراف بالتعاون الجاد من اجل الخروج من هذا المأزق حتي يتم استئناف التفاوض علي كل المسارات في اسرع وقت ممكن لان استمرار جمود الموقف الراهن أمر مستحيل وخطير كما ان البديل صعب ومخيف

لقد جابهت مسيرة السلام في رحلتها الطويلة عقبات ضخمة ربما كانت أخف وطأة من مأزقها الراهن ، لكنني علي يقين من ان السلام العادل سوف ينتصر علي كل العقبات ان الاحداث اليومية تزيد إيماننا بأنه لا بديل عن السلام لانه الخيار الصحيح لكل شعوب المنطقة وأحسب ان المجابهة الصحيحة لاعداء السلام إنما تكون بالخروج من موقف الجمود الراهن

واستئناف التفاوض علي كل المسارات في أسرع وقت ممكن والسعي الجاد من جانب كل الاطراف لإزالة كل العقبات والنضال المشترك ضد كل صور العنف والارهاب المتبادل والشجاعة في اتخاذ القرارات التي لا مبرر لتأجيلها أو تسويفها والالتزام الصادق والامين بنصوص الاتفاقات التي يتم توقيعها واحترام شركاء المسيرة لكون السلام مسئولية مشتركة تقوم علي اتفاق شركاء متساوين . يلتزمون اسس السلام ومرجعيته الصحيحة

أيها الأخوة والأخوات
لقد كان لحرب اكتوبر آثارها الواسعة المدي في المجالين العالمي والاقليمي كما كانت لها آثارها العميقة داخل مصر والامر المؤكد انها كانت فاصلا بين حقبتين من تاريخ العمل الوطني ، غيرت الحرب أولويات مصر وجعلت السلام والاستقرار هما الهدفين الاولي بالرعاية والاهتمام وجعلت التنمية محور الحياة وشاغلها تعويضا لمصر عن الاستنزاف المريع الذي أجهدها علي امتداد نصف قرن نتيجة نشوب حروب متتابعة

خلفت تركة صعبة مثقلة بالمشاكل ، وغيرت روحها الداخلية لانها عززت ثقة المصريين بأنفسهم وجعلتهم اكثر قدرة علي مواجهة تحديات المستقبل وعمقت داخلهم روح المبادرة والحرص علي التخطيط السليم والأخذ بأحدث اساليب العلم . والالتزام بروح الفريق ووجهته لانها فتحت الطريق لتعميق المسار الديمقراطي وهيأت مناخا صحيحا لمراجعة شاملة لمسيرة العمل الوطني اسفرت عن اصلاح جذري شمل السياسات والاهداف وشمل طرائق الاداء وبدون هذا الاصلاح ما كان يمكن لمصر ان تكون جزءا من ركب التقدم الانساني

ان الجهد الذي بذل علي امتداد السنوات الاخيرة كي تصلح مصر اقتصادها الوطني وتحفز أبناءها علي ضرورة المشاركة في جهود التنمية وتستعيد ثقة العالم بما في ذلك مؤسساته المالية الكبري :
ما كان يمكن ان يحقق هذه النجاحات الضخمة في غيبة مناخ آمن مستقر يظله السلام وتحكمه ديموقراطية صحيحة تعلي سيادة القانون وتصون حرية الرأي والفكر وتطلق مبادرات الافراد وتنمي جسور التعاون مع الجميع علي اسس متكافئة تري مصالح الوطن

لقد قطعنا شوطا طويلا علي طريق التقدم لكن نجاحنا في بلوغ أهدافنا لا يزال معلقا بقدرتنا علي ان نحمي مسيرة السلام من اعدائها ونحافظ علي مناخ الاستقرار الآمن الذي تتربص به قوي عديدة تبذل المستحيل

كي تعيد عقارب الزمان الي الوراء وتدفع بالمنطقة مرة أخري الي دوامة الصراع والحرب ولن يفلح اعداء السلام مهما تكن جهودهم في وقف حركة التاريخ والعودة بالمنطقة مرة أخري الي دوامة الصراع لان الشعوب تدرك مصالحها وتعرف طريقها وتتمسك بالسلام هدفا صحيحا تتضاءل إزاءه كل المصالح والاهداف

اسأل الله العلي القدير ان يساند خطانا كي ينتصر السلام ويعم كل ربوع الشرق الاوسط فالسلام هو رسالة السماء الي الارض وهو الحياة والنماء والتقدم ، هو الحق والخير والعدل وهو الغد المشرق لكل أجيالنا القادمة


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته