يحتفل الشعب المصري هذه الايام بيوم من أيامه المجيدة التي اسهمت في اثراء المسيرة الوطنية وفتحت آفاقا جديدة لمستقبل افضل يمارس شعبنا العريق فيه حقوقه ومصالحه بعد ان تحرر من الاستعمار الاجنبي ولحق بركب الحضارة والتقدم واتاح الفرصة لكل مواطن ان يقوم بدوره كاملا في تحقيق النهضة الشاملة والمشاركة في تحديد مسار العمل الوطني‏.‏
قامت الثورة البيضاء في الثالث والعشرين من يوليو تعبيرا صادقا عن ارادة جماهير الشعب المصري وتجسيدا للمشاعر الجياشة للامة العربية‏,‏ وظلت حريصة علي المباديء السامية التي التزمت بها والاهداف الاساسية التي قامت لتحقيقها‏,‏ فكان طبيعيا ان تتحد ارادة الشعب مع الطاقة الكامنة في القيادة الثورية التي حمل لواءها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وان يتمكن الشعب وقيادته من تحقيق أهداف كبري لايمكن ان تمحوها الايام او يتنكر لها الزمن مهما حاول المشككون والمغرضون‏.‏

ولم يكن لثورة هذا شأنها أن تبقي أسيرة لقوالب جامدة أو فكر متحجر لانها لم تكن غافلة عن طبيعة حركة التاريخ باعتبارها كيانا ديناميكيا متجددا يستجيب لمتطلبات كل مرحلة من مراحل التاريخ القومي ويتعامل مع الظروف المختلفة والمعطيات المتغيرة بالمرونة التي لاتفرط في هدف ولاتدخر وسيلة لتحقيق اهدافنا القومية‏.‏
وهكذا فرقت الثورة بين الثوابت والمتغيرات‏,‏ فلم تتخل أبدا عن التزامها بالمصالح العليا للوطن وبتمسكها برعاية الاغلبية الساحقة من أبناء الشعب التي بادرت الي مساندة الثورة في يوم قيامها لانها أدركت بحسها الوطني المرهف ماتقصده تلك الثورة وماتسعي الي تحقيقه وآمنت بأن الثورة ثورتها وأن الاهداف التي أعلنها الثوار جاءت تعبيرا صادقا عما يجيش في ضمائرها وخاطرها وليس سعيا لتحقيق أغراض خاصة أو فرضا للوصاية علي الشعب أو مصادرة لارادته‏.‏

حققت الثورة لمصر والامة العربية كلها انجازات عظمي وعجلت برحيل الاستعمار عن الارض العربية في المشرق والمغرب ومدت الجسور التي تصل بين شعوبها وكافة الشعوب الافريقية والاسيوية‏,‏ بل وجميع شعوب العالم الثالث التي كانت تسعي في تلك الحقبة لان تتخذ لنفسها طريقا يحفظ لها أمنها ويصون سيادتها ويحمي مصالحها السياسية ويقيها مخاطر الحروب المدمرة والصراعات الطاحنة التي كانت تهدد المجتمع الانساني بأسره‏.‏
وفي سبيل الذود عن مصالح الوطن وحقوق المواطنين‏,‏ وبعد أن حمل الرئيس الراحل محمد أنور السادات راية القيادة‏,‏ قامت مصر بخطوات تاريخية لايمكن انكارها استجابت لدروس الماضي وتحديات المستقبل بكل ثقة في النفس وايمان كامل بالقدرة الهائلة الكامنة في ضمير الشعب فحققت انجازات لايمكن انكارها باتخاذ الخطوات الاولي نحو سلام شامل وعادل يعيد للعرب حقوقهم المغتصبة وأرضهم المحتلة ويوقف نزيف الدم الذي يهدد جميع شعوب المنطقة في حاضرها ومستقبلها ويتيح للاجيال الجديدة من أبنائها أن تلحق بركب التقدم العلمي والتكنولوجي وان تعوض مافاتها تحقيقه في فترات الحرب والدمار والخراب‏.‏

وواصلت المسيرة الثورية المستنيرة انطلاقها في مطلع الثمانينيات بوتيرة تدرك المتغيرات الجديدة والتحديات المتلاحقة واتخذت مسار الاصلاح والتجديد لكل قوي الشعب والوطن واعتمدت أسلوب التخطيط العلمي المستمر في كل نواحي الحياة في ربوع مصر الطيبة وفتحت المجال لكل مصري قادر علي العطاء بصرف النظر عن انتماءاته الفكرية أو الحزبية وأتاحت للجميع أن يشاركوا في العمل السياسي الهادف دون قيود أو حواجز لاننا نؤمن بأن المصريين جميعا يلتقون حول الولاء الاسمي للوطن والوفاء الكامل للشعب وفي مقدمته الفئات الكادحة محدودة الدخل التي تعطي وتضحي دون قيد أو تردد والتي تستحق منا جميعا كل رعاية وحماية‏.‏
اننا ننظر في هذه اللحظات الي عالم جديد حقق قفزات هائلة في التقدم العلمي والتكنولوجي وتخلص من بعض الاخطار التي كانت تهدده‏,‏ ومع ذلك فإنه بدأ يشهد تحديات عاتية لاتقل ضراوة وصعوبة عن تلك الاخطار الزائلة‏,‏ وأسهمت عوامل شتي ومستجدات متعددة في وضع العالم أمام واقع جديد تتزاحم فيه قوي السلام مع دعاوي الحرب والدمار‏..‏ وتتنافس فيه احلام الاستقرار والتقدم مع أخبار القلاقل والمخاوف‏,‏ ونحن لايمكن ان نتخلف عن الاسهام بكل ماأوتينا من قوة في حسم الموقف في صالح السلام والاستقرار والتعايش البناء والاحترام المتبادل‏.‏

نحن لانتبني النظريات القائلة بصراع الثقافات والاعراق والديانات ولانؤمن بحتمية النزاع والخلاف بين روافد الجنس البشري‏..‏ بل اننا نؤمن ايمانا جازما لايتزعزع بأن جميع شعوب الارض تواجه مصيرا واحدا وتحديات متطابقة وليس أمامها سوي أن تنحاز للسلام العادل والاستقرار الهادف‏,‏ وأن الصراعات المتصورة لاتقوم علي أسس صحيحة أو رؤية ثاقبة‏,‏ أما الاخطار التي تواجهنا فهي تشكل تهديدا لنا جميعا لافرق في هذا بين شرق وغرب أو بين مسلم ومسيحي ويهودي أو غير ذلك‏.‏
ايها الإخوة والأخوات‏:‏ إننا إذ ندعو المولي عز وجل ان ينصر امتنا ويصون مسيرتنا القومية في سبيل الحق والسلام والتقدم‏..‏ نعاهد الله وأنفسنا أن نبذل كل ماأوتينا من جهد لكي نحافظ علي كل ماحققناه بشق الانفس وبتضحيات جسيمة والا نضيع يوما لانحقق فيه النفع والمصلحة لوطننا الخالد الذي ندين له بكل الولاء والوفاء‏.
‏ والله يوفقنا ويرعي مسيرتنا..