الإخوة المواطنون الإخوة والأبناء.. ضباط وجنود القوات المسلحة يأتي تخرج هذه الدفعة الجديدة من أبناء الكلية الحربية مع مناسبة مرور50 عاما علي ثورة يوليو المجيدة, التي قامت علي أكتاف مجموعة من أبناء مصر البررة, من ضباط القوات المسلحة, الذين دفعتهم مشاعرهم الوطنية المتأججة وولاؤهم الأسمي للشعب الي القيام بثورتهم المباركة, التي كانت ثورة شاملة علي الأوضاع التي آلت إليها البلاد, بعد أن استعصت أوضاع مصر الداخلية علي الإصلاح, بسبب سطوة الاحتلال الأجنبي, وغياب النضج والوعي الاجتماعي والسياسي لدي النخبة الحاكمة, وابتعاد أداء السلطتين التنفيذية والتشريعية عن تطلعات الجماهير وآمالها, حتي أصبح الوطن مهيض الكرامة, لايملك من إرادته شيئا, تهدده مخاطر الصراع الطبقي والفتنة الطائفية. وربما لاتعرف الأجيال الجديدة التي لم تشهد أوضاع مصر قبل ثورة يوليو1952, أن الأغلبية الساحقة من أبناء مصر كانت تعيش دون الكفاف, لأن ثمانين في المائة من سكان ريف مصر كانوا من الأجراء المعدمين, كما كانت الدولة في خدمة فئة محدودة من أصحاب المصالح, وكانت الحياة السياسية ملهاة فارغة يمسك بخيوطها القصر والاحتلال الأجنبي, أما الحياة النيابية فكانت مجرد إطار شكلي زائف بلا مضمون حقيقي, وغابت أي مجهودات جادة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الهادفة لمواجهة مطالب الفئات المتزايدة من الشعب التي كانت لاتجد قوت يومها. في ظل هذه الأوضاع المتردية, كان محتما أن يصل النظام القديم الي طريق مسدود, وتتصدع أركانه, ويبدأ مرحلة السقوط والانهيار. ولاشك أن ثورة يوليو جاءت تتويجا لنضال طويل خاضه الشعب المصري, دفاعا عن حقه في وطن مرفوع الرأس موفور الكرامة, لايجثم علي صدره احتلال غاصب يشل إرادته الوطنية, ولذا فلم يكن غريبا أن يتحقق للثورة منذ ساعاتها الأولي هذا التلاحم الرائع, بين طلائع الثورة التي خرجت من صفوف القوات المسلحة وجماهير الشعب المصري, وبهذا التلاحم بين الجيش والشعب, استطاعت الثورة أن تغير وجه الحياة في مصر علي نحو جذري, وأن تخوض معاركها في الداخل والخارج كي تعيد للوطن استقلاله وكرامته, وتعيد للأغلبية الساحقة حقوقها المهدرة. فقد كان الخلاص من السيطرة الأجنبية وتحقيق الاستقلال, وتأميم شركة قناة السويس, والإصلاح الزراعي, وتصنيع مصر, أهدافا كبارا يتطلع لها النضال المصري علي طول تاريخه الحديث, ثم جاءت ثورة يوليو البيضاء كي تصوغ من هذه الأهداف برنامج عمل وطني التزمت بتحقيقه, وخاضت من أجله معاركها المتتابعة في الداخل والخارج. ومن هنا, فإن الذين يحاكمون ثورة يوليو بمعايير اليوم يقعون في خطأ جسيم, حين يتناسون أنها واجهت ظروفا داخلية صعبة, وقامت في ظل تحديات ومتغيرات إقليمية وعالمية تعين عليها مواجهتها والتعامل معها كي تحافظ علي استقلال قرارها الوطني, بعيدا عن اعتبارات الحرب الباردة, وسياسات الأحلاف, وصراعات القوي الكبري. وبرغم هذه الظروف الشائكة والتحديات المتزايدة, حافظت ثورة يوليو علي روحها الوطنية الأصيلة, وقدمت لشعبها إنجازات ضخمة عديدة, كما أحدثت تحولا عميقا في تاريخ مصر, أنهي مرحلة وفتح الطريق أمام مرحلة جديدة, زادت من قدرة الوطن علي مواصلة مسيرة البناء والتقدم. وشأنها في هذا الشأن كل عمل إنساني, كان طبيعيا أن تقع الثورة في بعض الأخطاء وهي تخوض معاركها المتتابعة في الداخل والخارج, غير أن تلك الأخطاء لايمكن أن تحجب عن أعيننا الإنجازات الكبري التي حققتها, والتي ستظل تشكل صفحة مشرقة من تاريخ مصر الحديث, ولو كره الحاقدون والمشككون. وكان طبيعيا أن تمتد تأثيرات يوليو ـ بعد انتصارها العظيم علي العدوان الثلاثي ـ إلي الوطن العربي علي امتداده, بل وإلي العالم الثالث كله, الذي كان يخوض نضالا شجاعا ضد قوي الاستعمار والعنصرية, ولايستطيع أحد أن ينكر أن خريطة العالم قد تغيرت بعد ثورة يوليو, حيث ارتفعت رايات الحرية والاستقلال فوق معظم الدول العربية والإفريقية, وشهد العالم انحسار موجة الاستعمار القديم, ومولد تكتلات ضخمة لدول العالم الثالث, أتاحت لها أن تسيطر علي مقدراتها وثرواتها الطبيعية, وتتجه إلي تنمية ثروتها البشرية وتعينها بما يتناسب مع التحديات المتزايدة المتجددة. ويسعدني أن أرحب معكم اليوم بالأخ العقيد معمر القذافي, قائد الثورة الليبية المجيدة في الفاتح من سبتمبر1969, التي استلهمت روح الثورة من ثورة23 يوليو, والتي ربطتها بها أقوي الروابط القائمة علي رؤية واحدة للسعي العربي نحو التخلص من الاستعمار, وإعلاء شأن القومية العربية, ودعم العمل العربي المشترك. الإخوة والأخوات سوف نظل نذكر للثورة المصرية دائما قدرتها علي تصحيح مسارها في المراحل المختلفة, وعدم تمسكها بقوالب شكلية جامدة, وإصرارها علي وضع مصالح الوطن والشعب فوق كل اعتبار, وبهذه النظرة الثاقبة والوعي العميق بحركة التاريخ, استطاعت الثورة أن تتمسك بالثوابت الراسخة, التي تمثلت في حرص الحكم علي العدل الاجتماعي, والانحياز الي مصالح الأغلبية الساحقة من الشعب, والالتزام بالتنمية الشاملة من أجل تحقيق تقدم حقيقي يستفيد منه المجموع الوطني, والحفاظ علي استقلال القرار الوطني, والحرص علي أن يكون لمصر جيشها القوي, الذي يحمي أمنها ومصالحها, ويعزز دورها القومي, كي تكون سندا لأمتها العربية وشعوب العالم الثالث في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. تحية إلي هؤلاء الأبطال الذين تقدموا لقيادة الثورة, وحملوا أرواحهم علي أكفهم في ليلة مجيدة من تاريخ مصر ليصنعوا لوطنهم فجرا جديدا. وتحية خاصة إلي قائد الثورة ومفجرها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر, الذي وهب حياته فداء للوطن والشعب, وظل حتي آخر لحظة متمسكا بمبادئه, ملتزما بثوابت الثورة ومصالح الجماهير, متمتعا بقدرة هائلة علي إدراك طبيعة حركة التاريخ والقوانين التي تحكمها, وهكذا استمر يحمل راية الثورة حتي فاضت روحه الطاهرة فداء لمصر والأمة العربية. وتحية واجبة للرئيس الراحل محمد أنور السادات, الذي أسهم في تجديد شباب الثورة, وتصحيح مسارها, من منطلق الاستفادة من التجارب المتعاقبة, ورصد الظواهر والتحديات المتغيرة, والبناء في كل مرحلة علي ماتم إنجازه في الماضي والإضافة إليه, وهكذا بدأ الرئيس السادات عملية إصلاح سياسي واقتصادي تستهدف إقامة نظام حزبي متعدد الجوانب, وصحافة حرة, كما قاد مسيرة الانفتاح الاقتصادي, وفتح الطريق أمام مشاركة القطاع الخاص في إنتاج السلع والخدمات, وتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتصلة. وسيظل التاريخ يذكر للرئيس السادات أنه قاد البلاد في حرب أكتوبر المجيدة, رغم كل الظروف الدولية المعاكسة التي كانت قائمة حينئذ. ليعيد للأمة ثقتها بنفسها, وفخارها بجيشها, ويفتح الطريق الي السلام العادل والشامل, وإلي استعادة مصر لسيادتها علي أرضها كاملة غير منقوصة. الإخوة والأخوات إننا ننظر إلي واقعنا الراهن باعتباره حلقة من حلقات هذا التاريخ المتصل, نحمل الأهداف العليا في قلوبنا, ونصر علي أن تبقي مصر المستقلة موفورة الكرامة, قادرة علي إسعاد أبنائها والحفاظ علي ثوابت تجربتها الوطنية والتزاماتها القومية, مدركين لمتغيرات العصر المتسارعة, وشواغله الجديدة, لأن مصر ـ بموقعها الجغرافي المتميز ودورها الإقليمي الرائد ـ لا تستطيع أن تعزل نفسها عن متغيرات العالم, أو تغلق الأبواب علي نفسها. كان علينا أن نحرص علي تعميق المسار الديمقراطي وتعزيز حرية الفرد والمجتمع, اتصالا مع جهد سبق, واستجابة لإيماننا العميق بحق الشعب المصري في التمتع بديمقراطية صحيحة, وبحياة حزبية سليمة, وبجبهة داخلية قوية متماسكة, تحمي مسيرته وتصون نضاله المشروع, وتهدي حركته الدائبة في الداخل والخارج, وتعزز دوره المهم علي الساحات القومية والإقليمية والدولية. وكان علينا أن نعيد بناء الاقتصاد الوطني علي أسس تتفق مع الاتجاه الدولي نحو العولمة, وتصحح من مفاهيم الانفتاح الاقتصادي, بحيث يصبح انفتاحا انتاجيا يعود بالخير علي كل أبناء مصر, ويضاعف قدرة منتجاتنا علي خوض معركة المنافسة في الأسواق الخارجية, ويرتقي بجودة السلع والخدمات التي يقدمها, وقد أنجزنا في هذا المقام إنجازات ملموسة حسنت من أداء الاقتصاد المصري, ونأمل أن تشهد الفترة القادمة مزيدا من الإصلاح والنهوض, رغم تزايد المشاكل والظروف المعاكسة التي تسببت فيها أحداث وتطورات دولية غير مواتية. وبعد أن تمكنا من استعادة كل حبة رمل من تراب الوطن المفدي, ازدادت قدرتنا علي مواصلة الجهود التي نبذلها بهدف استكمال حلقات السلام الشامل والعادل, والتغلب علي العقبات التي ظهرت في طريقه, وتمكين الشعوب الشقيقة من استعادة أراضيها التي احتلت منذ الخامس من يونيو1967, في الضفة الغربية وقطاع غزة, وهضبة الجولان السوري والجنوب اللبناني, وتمكين الشعب الفلسطيني الشقيق من الذود عن حقوقه المغتصبة, وأولها حقه في تقرير مصيره وتحرير أراضيه المحتلة وإقامة دولته المستقلة. ونحن نؤمن بأنه رغم العقبات الجسيمة التي مازالت تواجه مسيرة السلام, فإن السلام الذي تصبو إليه كل شعوب المنطقة لايزال ممكن التحقيق, إذا ما ساد العقل, وتلاشت الأطماع, وانتصر الأمل علي الإحباط واليأس في صفوف الشعب الفلسطيني. وأجد من المناسب أن أكرر توجيه النصح لإسرائيل, ألا تهدر الفرصة التاريخية القائمة لإنهاء الصراع والقتال, والدخول في مرحلة جديدة, تتفرغ فيها شعوب المنطقة لمواجهة تحديات التنمية والتقدم كسائر الأمم والشعوب, وتعبئ جهود أبنائها لما يحقق مصلحتها المشتركة, بدلا من إهدارها فيما لايعود بالنفع علي أحد. وأقول لشعب إسرائيل إن كل ما تطالب به شعوب الأقطار العربية المجاورة لتحقيق السلام ولإقامة علاقات طبيعية قد ورد في المبادرة العربية التي اعتمدتها قمة بيروت, وهو الالتزام بقواعد الشرعية وحكم القانون, واحترام المرجعية التي ارتضاها المجتمع الدولي أساسا لتسوية النزاع, والتي تقضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها منذ الخامس من يونيو1967, والتخلي عن أوهام التوسع التي لن تجدي شيئا ولايستقيم معها السلام والتعايش, واحترام حق كافة شعوب المنطقة في الحياة الآمنة المستقرة. ولن تكسب إسرائيل شيئا من التستر بالمطالبة بتغيير القيادة التي اختارها الشعب الفلسطيني بإرادته المستقلة, والتشبث باحتلال الأراضي وسفك الدماء وتدمير المنازل وإغلاق الطرق, وكل مايمكن أن ينتج عن هذه السياسة هو تغليب قوي التشدد علي أصوات الاعتدال, وفقد ثقة الأجيال الجديدة في الوطن العربي, ولن تجني إسرائيل من وراء تلك السياسات سوي زرع الكراهية في النفوس, وتصاعد الاتجاه إلي العداء والتطرف, ولذا فإنها تحسن صنعا إذا هي سحبت قواتها من المدن والمناطق التي احتلتها, وأنهت اجتياح الأراضي الفلسطينية والإغلاق وسائر الممارسات القمعية والثأرية, ودخلت بدلا من ذلك في مفاوضات سياسية جادة تهدف لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة التي ستكون خير ضمان للسلام والأمن والاستقرار. الإخوة والأخوات إن النهضة الشاملة التي تقودها مصر الآن والمجتمع الآمن الذي نعيشه, ما كان يمكن أن يقوم لولا جهود سبقتها, جعلت التنمية المتواصلة علي رأس أولويات أي حكم وطني, وجعلت مصالح الأغلبية الساحقة من الشعب أساسا لشرعية الحكم ومسئوليته. وعهدنا معا أن نواصل الجهد بكل عزم وإصرار, تعميقا للمسار الديمقراطي وترسيخا لمبدأ حكم الشعب, وحرصا علي توزيع ثمار التنمية علي كل فئات المجتمع المصري بالحق والعدل, وزيادة فرص العمل المنتج لشباب مصر الذي يتوق إلي خدمة وطنه وتحقيق ذاته, ويسعي جاهدا الي زيادة معارفه وتعظيم قدراته, كي تتوافق مع تحديات عصر جديد. وعلينا أن نفسح الطريق أمام القيادات الشابة كي تتبوأ مسئوليتها, وتشارك في قيادة العمل الوطني في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ العالم ومنطقة الشرق الأوسط. الأبناء الخريجون إنكم تبدأون اليوم أشرف مهمة, وأنبل رسالة في الذود عن كرامة الوطن وأبنائه, وردع أي اعتداء آثم علي حقوق مصر المجيدة, وعهدي بكم أنكم سوف تكونون نعم الأبناء الأبرار, تأسيا بقادة عظام كانوا لكم خير قدوة ومثال. تحية إلي قوات مصر المسلحة... تحية إلي كتائب المجد, التي قدمت بتضحياتها وإخلاصها إنجازات باهرة لمصر والعرب, كانت عنوانا علي عزة الوطن ورفعته. أسأل الله العلي القدير, أن يحفظ لمصر عزتها وسلامتها, كي تظل وطنا آمنا يبني ولايهدم, ويحمي ولايبغي, ويصون ولايهدد, إنه نعم المولي ونعم النصير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |